تتصف الخيول العربية الأصيلة بصفات ومميزات بعضها خاصة بالخيول، عامة، وبعضها الآخر تنفرد بها من بين سلالات الخيول في العالم. ومن هذه وتلك:
إن الخيول العربية الأصيلة وفية لأصحابها، وخاصة إذا كانوا هم الذين يقومون على تربيتها وتدريبها بأنفسهم، فتقبل عليهم إذا نادوها، وقد قيل: "إن نداءها يغني عن أرسانها". والجواد العربي يحمي فارسه في البرية، فإذا ربط الفارس مقود جواده بيده ونام، قام الجواد بدور الحارس الأمين، فيظل يقظًا متنبهًا لكل حركة، حتى إذا رأى قادمًا أخذ يضر الأرض بحافره ليوقظ صاحبه. وعندما تكون خيول البدو طليقة، ويصدف ان يحدث استنفار ينذر بغارة مفاجئة، وسمعت نداء أصحابها، أو الإنذار بالغارة، أو طلقات الرصاص، فإنها ترفع رءوسها، وتشيل أذنابها، ويتجه كل واحد منها إلى بيت صاحبه، فتسرع النساء إلى السروج لتضعها عليها، ويسرع الرجال إلى أسلحتهم. وما هي إلا لحظات حتى يكون كل فارس على صهوة فرسه.
وقصص وفاء الخيل لأصحابها كثيرة، ومنها أن أسامة بن منقذ (1095- 1188م) وكان أحد أشراف بلاد الشام جاء في مذكراته أن حادثًا وقع لأبيه أثناء الصيد، فوقف جواده إلى جانبه وشرع في الصهيل دون توقف إلى أن جاءت النجدة.
ومن القصص أيضًا، التي تشهد للحصان العربي الأصيل بالشجاعة والذكاء والوفاء لصاحبه والتضحية في سبيله ما رواه أحدهم، قال: "لقد أصابتني رصاصة في كتفي، فسقطت من صهوة "غزال الأرض"، وأدى ذلك إلى جرح في قدمي. لكن "غزالاً" حملني راكضًا بسرعته المعهودة، وجعلني في مأمن من العدو. وبقيت لحظة ملقى على الأرض غير قادر على القيام بأدنى حركة. لم أشعر في بداية الأمر إلا بألم خفيف، وما إن مرت بعض اللحظات حتى بدأت أحس بألم شديد تحت عظم كتفي الأيمن.
كان "غزال" واقفًا إلى جانبي في صبر وأناة ينتظر قيامي، فأمرته هاتفًا: أوا، أوا، أوا، فارتجت أطرافه، ورد على هتافي بصهيله الحاد، وتملكه الخوف، ثم تشمم دم جرحي، وانحنى برأسه إلى الأرض، فشعرت بملاطفة مناخيره ونفسه الدافئ. تحسست جبهته بلطف، ولكنه تنهنه متراجعًا إلى الوراء. فأخذت أتلمسه بيدي حتى مسكت بزمامه، ثم أمرته بالنزول إلى جانبي، فنزل سامعًا مطيعًا. ولم أتمكن من امتطاء صهوته إلا بمشقة، فأمرته بالقيام ماسكًا بعرفه حتى لا أسقط من جديد. واستندت بيدي اليسرى على فخده الأيسر، ثم أمرته بالتحرك، فخطا خطوات بطيئة، وانطلق بعد ذلك بخطى حثيثة.
ولما قطعنا نصف المسافة في اتجاه الجانب الأعلى للهضبة، توقف غزال بغتة بجانب الطريق، وبدأ يشخر في ذعر وخوف. كنت مركزًا اهتمامي على الاحتفاظ بتوازني، ولم أكترث بكل ما كان يدور من حولي. وعندما اقتربنا من أعلى نقطة من المنحدر، غدونا من جديد على مرأى من العدو الذي أطلق علينا وابلاً من الرصاص، فكنت أرى بعض الرصاصات تثقب الأرض، والبعض الآخر يتطاير في الهواء محدثًا رنينًا رقيقًا.
أمرت "غزال" بالركض، ونخسته ليندفع إلى الأمام، وفجأة تعثر غزال، وأطلق صيحة موحية بالألم الشديد، فتبين لي أنه أصيب بجروح، ومضى متعثرًا، فنخسته مرة أخرى، وانطلق راكضًا بسرعة لم أتمكن منها معها من المحافظة على توازني، فسقطت من صهوته على الأرض إذ حاولت التخفيف من حدة السقوط بيدي. وفجأة رأيت رجالاً مقبلين علي، فوعدوني الأمان، وأخذوني إلى مكان آمن بالهضبة".
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق